أليس هذا صوماً اختاره؟

إذا رجعنا لقصة الميلاد لرأينا صورة متواضعة جداً من أحداث متتابعة، منهامع اقتراب فترة الفصح والذي يسبقه الصوم الاربعيني، يحذو قسم كبير من الكنائس حذو المسيح الذي صام بدوره أربعين يوماً وفي نهايتها أتاه الشيطان ليجربه.

السؤال الهام بمكان في هذا الصدد هو ماهية الصوم المقبول لدى الله. طبعاً نؤكد انًّه ليس هناك خطأ، برأيي، بالنسبه لاختيار فترة ما قبل عيد الفصح، وفترات مختلفه اخرى، كحقبة محددة للصوم أو نوعية الصوم نفسه، ان كان صوماً عن الزفر (مرفع الزفر أو اللحم) أو انقطاع عن الطعام لساعات محددة من النهار أو غير ذلك، وإنما السؤال المهم كيف نجعل صومناً مقبولاً لدى الله بحيث يوفي بالغرض الذي نسعى لتحقيقه من خلال الصوم.

كي لا نطيل، من الجدير بالتأكيد ان الصوم ليس فريضة التي بدونها "يسقط" إيماننا، فالرب يسوع بذاته لم يوصينا ان نصوم كما اوصانا ان نحب بعضنا مثلاً، انما قال في عظته على الجبل: "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ..."، فالرب يذكرنا بالصوم ولكن يحذرنا انّه من الافضل الا نصوم من ان نصوم ونكون عابسين، وبالتالي فان كنا نصوم فلنعمل ذلك بفرح وبقلب شاكر ووجه مبتسم.

من هنا كذلك نستنتج ان الرب لم يحدد طريقة معينة للصوم ولم يعين ممارسته بفترة زمنية معينة إنما تكلم عن الصوم كأمر علينا ممارسته لأجل تحقيق هدف مقدس أو أغراض معينة صالحة في حياتنا وحياة الآخرين كذلك، وهي كثيرة.

التركيز الأساسي للصوم ليس فقط الامتناع عن الطعام، هو الجانب الذي يهدف لكبح جماح الجسد وشهواته، إنما هناك صوم النفس لسبر غور الذات وضبط النفس عن كل أفكار شرّ وصيانة اللسان عن الكلام البذيء والنميمة وما إلى ذلك، كيف لا وداود يقول بمزاميره: أذللت بالصوم نفسي.

امتزاج الضبط الجسدي والنفسي يشكل فينا أناساً صالحين بحسب قصد السيد، والصوم ما هو إلا عامل مساعد يدفعنا قدماً لتحقيق الأهداف التي دُعينا إليها بحسب كلمة الله، من جهة لبناء وتشكيل حياتنا بشكل افضل، ومن جهة أخرى ان نُصلي ونُقدم يد العون والسند للآخرين من مساكين ومأسورين بنير الخطيئة وعقد الشر فنقتادهم للحرية التي هي في المسيح (راجع من فضلك سفر اشعياء إصحاح ٥٨).

هذا هو الصوم الذي يختاره الرب.

الأخ عصام عودة

درس الحقوق في الجامعة العبرية ويعمل اليوم كمحام. درس اللاهوت في كلية الجليل بالناصرة وهو عضو وخادم في الكنيسة الإنجيلية المعمدانية في كفرياسيف. كتب العديد من المقالات في عدة مواقع مسيحية

Previous
Previous

المعنى الحقيقي للصوم

Next
Next

كيف نحتفل بالميلاد؟